السلأم عليكم ورحمة الله وبركاتة
[size=18]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين..
الشقاء :
المعاناةُ و المعالجة و الشقي هو الخائب من الخير في قوله تعالى {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} و قوله تعالى {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} ؛ يعني أنك لم تكن تخيّب دعائي إذا دعوتك ، و أنك عودتني في الإجابة فيما مضى .
والشقاء يقابل السعادة في المعنى و الشقاء في الدنيا غيره في الآخرة ، فأما في الدنيا فهو سوء الحالة المادية و المعنوية و الضلال و الفساد و ضيق الصدر و عدم انشراحه في قوله تعالى {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} و يدخل في هذا المعنى القلق و الاضطراب في كل أمر و الشك و سوء الظن و كلها قواعد و معانٍ موجودة في نفسه تجعله دائماً في حالة الشقاء و المعاناة .
فالذي يعاني الشقاء و الاضطراب لا يرجع شقاؤه أو اضطرابه بسبب فقره فإذا زال الفقر زال هذا الشقاء ؛ فالفقر ليس سبباً لا للشقاء أو للسعادة أو من الصحة أو المرض بل هو آتٍ من وجود العقيدةِ الراسخة من الله عز و جل هو القابض الباسط ، و الشقي هو الذي لم يدرك حقيقة طريق نيل رضوان الله بل سلك طريقاً حددها له هواه و عينتها مصالحه فيظل حاله كالذي يحاول أن يصل إلى السراب و اختلط الأمر عليه فأراد أن يعبد الله كما يريد هو لا كما أمر الله فدار شقاؤه بين كفر بالله و معصيته عز و جل فحصل التلازم بين الشقاء و الضلال فمن ضل عن الطريق الموصل لنيل رضوان الله شقي قطعاً .
[color=darkred]إن الشقي لا يشبع جوعته شيء بل هو دائم الطلب لكل شيء ؛ لأنه لم يقنع بشيء و كلما بلغ غاية طلب أخرى و دورة حياته تدور بين ما حقق و ما سوف يحقق أو ما يستطيع أن يحقق و ألمه على ما يفقد من صحته أو ماله أشدّ عليه ألماً من غيره و هو دائم القلق على ما بين يديه أو فيما يملك ؛ لأنه يعيش الخوف من أن يفقد ما يملك أو يعيش الحزن و الندم على ما فاته و لم يحققه يتردد بين خوفٍ من مستقبل و حزنٍ على ماضٍ فاته .
و أما المؤمن فهو يعيش السعادة و الاطمئنان لأنه في كنف الله و قد خاطبه ربه فقال عز و جل {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }يونس62 ، و يقرأ قوله عز و جل {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }الحديد{22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }الحديد23 ، و قد روي أن الربيع بن صالح قال : لمّا أخذ سعيد بن جبير رضي الله عنه بكيت فقال ما يبكيك قلت أبكي لما أرى بك و لما تذهب إليه . قال لا تبكِ فإنه كان في علم الله أن يكون ألم تسمع قوله تعالى {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} و هكذا هو الفهم من أن كلاً مكتوب و مقدر و إنما على المرء المسلم الامتثال و الطاعة و الرضى .[/
ثم أدبهم فقال {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} ؛ حتى لا تحزنوا على الرزق أنه فاتكم فاعلموا أن الرزق بيد الله و قد روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال ( لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم بكن ليصيبه ) ثم قرأ {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} ، و روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : ليس من أحد إلا و هو يحزن و يفرح و لكن المؤمن يجعل مصيبته صبراً و عنيمته شكراً . و الحزن و الفرح المنهيّ منها هما اللذان يُتعدى فيهما إلى ما لا يجوز فعله { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } .
و في هذا المعنى قال جعفر بن محمد الصادق : يا ابن آدم مالك تأسى على مفقود لا يرده عليك الفوت ، أو تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت .
إن اقبال الدنيا على الشقي لا تخرجه من دائرة شقائه و الزيادة في ماله أو ولده عامل آخر تزيد قي شقائه و آلامه و لا تغير من حاله و صدق الله العظيم {وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }التوبة85 ، و قوله {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }التوبة55 .
و أما الشقاء في الآخرة فكما أخبرنا ربنا عز و جل {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ {105} فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ }هود106 ، فهم الذين حكموا على أنفسهم بالشقاء لخروجهم عن منهج الله ؛ فالكافر هو الشقي لاختياره في الدنيا طريق الهوى بعد أن جاءه الهدى ، بل و يدخل معهم بعض من المسلمين العصاة و يتلقى كل منهم عقابه المناسب لما ارتكب من المعاصي و الذنوب .
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما نزلت الآية { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } ، سألت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقلت : يا نبيّ الله فعلام نعمل ؟؟ على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه ؟؟ فقال بل على شيء قد فرغ منه و جرت به الأقلام يا عمر ، و لكن كل مسير لما خلق له) .
و تتواصل الصورة عن أهل الشقاء في الآخرة {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }هود107 ، و كلمة الخلود تفيد المكوث طويلاً له ابتداء و لا نهاية له ؛ فالذين شقوا إنما يدخلون النار بدءاً من لحظة { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } فهو عذاب لا نهاية له بالنسبة للكافرين .
أما عذاب المسلم العاصي على ما ارتكب من آثام فبدايته من لحظة انتهاء الحساب إلى أن يأذن الله تعالى فيخرجه من النار و يدخله الجنة ، فقد أخرج مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال .. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ( أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها و لا يحيون ، و لكن ناساً أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم الله اماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن لهم في الشفاعة فيجيء بهم ضبائر ضبائر فيمشوا على أنها الجنة ثم قيل : يا أهل الجنة أفيضوا عليهم ، فينبتون نبات الجنة في جميل السيل ) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ([1]).
وفي لفظ: «تعوذوا»، وهي في صحيح البخاري.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من
جهد البلاء: والمعنى: الحالة الشاقة.
وقد فسرها ابن عمر رضي الله عنهما بقلة المال وكثرة العيال، وهذا من باب التفسير بالمثال.
وقيل: الحالة التي يبتلى بها الإنسان، أي: شدة المشقة.
ودرك الشقاء:
يجوز بسكون الراء والفتح أفضل.
والمعنى: أعوذ بك من أن يدركني شقاء في الدنيا أو الآخرة.
والشقاء والشقاوة ضد السعادة.
والشقاء يكون في الدنيا والآخرة..
والشقاء يطلق على أمور، منها:
1/ الإعراض عن الشرع:
قال تعالى: }قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا{، أي: غلبت علينا الشقاوة الناشئة عن الظلم والإعراض عن الحق، والإقبال على ما يضر، وترك ما ينفع
2/ المعصية:
قال تعالى-عن عيسى عليه السلام-: }وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا{. أي: عصيا.
فالمعصية تجر إلى الشقاء، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}
3/ الحرمان من إجابة الدعاء:
قال تعالى –عن إبراهيم عليه السلام-: {وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} أي: وأدعو ربي مخلصًا، عسى أن لا أشقى بدعاء ربي، فلا يعطيني ما أسأله.
وقال –عن زكريا عليه السلام-: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}. أي: محروما عن إجابة الدعاء.
والشقاء في الآخرة بدخول النار.
والعاصم من ذلك اتباع كتاب الله، قال تعالى: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. منقول للفائدة